الجبانة: تدل على الآخرة لأنها ركابها وإليها يمضي بمن وصل إليها، وهي محبس من وصل إليها، وربما دلت على دار الرباط والنسك والعبادة والتخلي من الدنيا والبكاء والمواعظ، لأنّه أهلها في نزاويهم عن الناس عبرة لمن زارهم وموعظة لمن رآهم وانكشف إليه أحوالهم وأجسامهم المنهوكة وفرقهم المسحوقة، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم حين دخلها وسلم على ساكنيها: دار قوم مؤمنين. وربما دلت على الموت لأنّه داره، وربما دلت على دار الكفار وأهل البدع ومحلة أهل الذمة لأنّ من فيها موتى. والموت في التأويل فساد الدين، وربما دلت على دور المستخفين بالأعمال المهلكة والفساد، كدور الزناة ودور الخمور التي فيها السكارى مطرحين كالموتى، ودور الغافلين الذين لا يصلون ولا يذكرون الله تعالى ولا ترفع لهم أعمال، وربما دلت على السجن لأنّ الميت مسجون في قبره، فمن دخل جبانة في المنام وكان مريضاً فيِ اليقظة صار إليها ومات من علته ولا سيما إن كان فيها بيتاً أو داراً، فإن لم يكن مريضاً فانظر، فإن كان في حين دخوِله متخشعاً باكياً بعينه أو تالياً لكتاب الله تعالى أو مصلياً إلى القبلة، فإنّه يكون مداخلأَ لأهل الخير وحلق الذكر ونال نسكاً وانتفع بما يراه أو يسمعه، وإن كان حين دخوله ضاحكاً أو مكشوف السوأة أو بائلاً على القبور أو ماشياً مع الموتى، فإنّه يداخل أهل الشر والفسوق وفساد الدين يخالطهم على ما هم عليه، وإن دخلها بالأذان وعظ من لا يتعظ وأمر بالمعروف من لا يأتمر وقام بحق وشهد بصدق بين قوم غافلين جاهلين أو كافرين، وأما من رأى الموتى وثبوا من قبورهم أو رجعوا إلى دورهم مجهولين غير معروفين، فإنّه يخرج من السجن أو يسلم أهل مدينة مشركين أو ينبت ما زرعه الناس من الحب في الأرض مما أيسوا منه لدوام القحط على قدر ما في زيادة الرؤيا وما في اليقظة من الشواهد والأمور الظاهرة الغالبة.