رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله
تعالى، و الله تعالى ينظر إليه، فإن كان الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا
رحمة، وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ
النَاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ). فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، وحبب
إلى الناس قال الله تعالى: (وقَرّبْناهْ نَجيّاً). وكذلك لو رأى أنّه ساجد
بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى: " واسْجُدْ واقْتَرِبْ " . فإن رأى أنّه
يكلمه من وراء حجاب، حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يده، وقوي سلطانه. وإن
رأى أنّه يكلمه من غير حجاب، فإنّه يكون خطأ في دينه، لقوله تعالى: (وَمَا
كَانَ لبَشَرِ أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب)،
فإن رآه بقلبه عظيماً، كأنه سبحانه قرَّبه وأكرمه وغفر له، أو حاسبه أو
بشره ولمً يعاين صفة، لقي الله تعالى في القيامة.
كذلك فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة والرحمة، كان الوعد صحيحاً لا شك فيه،
لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد، ولكنه يصيبه بلاء في نفسه، ومعيشته مادام
حياً. فإن رآه تعالى كأنه يعظه، انتهِى عما لا يرضاه الله تعالى، لقوله
تعالى: " يَعِظُكُمْ لعَلّكُمْ تَذَكّرونَ " . فإن كساه ثوباَ، فهو هم وسقم
ما عاش، ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير.
فقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه، فسأل ابن
سيرين، فقال استعد لبلائه، فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى، فإن رأى
نوراً تحير فيه فلم يقدر على وصفه، لم ينتفع بيديه ما عاش. فإن رأى أنّ
الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر. علا أمره وغلب أعداءه، فإن أعطاه شيئاً
من متاع الدنيا فهو بل يستحق به رحمته. فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه
فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأنّ أبويه ساخطان عليه، دل ذلك على
سخط الله عليه. لقوله عز اسمه " اشْكُرْ لي ولِوالِدَيْكَ " . وقد روي في
بعض الأخبار، رضا الله تعالى رضا الوالدين، وسخط الله تعالى في سخط
الوالدين.
وقيل: من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنّه يسقط من مكان رفيع. لقول الله
تعالى: (ومن يَحلِلْ عَلَيْهِ غَضبيَ فَقَدْ هَوَى). ولو رأى كأنه سقط من
حائط أو سماء أو جبل، دل ذلك على غضب الله تعالى عليه. فإن رأى نفسه بين
يدي الله عزّ وجلّ، في موضع يعرفه، انبسط العدل والخصب في تلك البقعة، وهلك
ظالموها ونصر مظلوموها. فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى،
نال نعمة ورحمة. فإن رأى مثالاً أو صورة، فقيل له إنّه إلهك أو ظن أنّه
إلهه سبحانه، فعبده وسجد له، فإنّه منهمك في الباطل، على تقدير أنّه حق،
وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى. فإن رأى كأنّه يسب الله تعالى، فإنّه
كافر لنعمة ربه عزّ وجلّ غير راضٍ بقضائه.